من شخصيات بني عبد القيس
1- الأشج العصري: المنذر بن عائذ
إسمه المنذر بن عائذ بن الحارث بن المنذربن النعمان بن زياد بن عصر ، سيد عبد القيس وقائدهم للإسلام وابن ساداتهم (الاستيعاب: 1 : 454) ، قال ابن حبان في الثقات: أنه أول من أسلم من ربيعة (الثقات : ابن حبان:3 :386) ، وذكروا في قصة إسلامه أنه كان له صديقاً لراهب ينزل دارين ، فكان يلقاه كل عام فلقيه عاماً بالزارة ، فأخبره الراهب أن نبياً سيخرج من مكة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه علامة ، يظهر على كل الأديان ، فبعث الأشج الى إبن أخت له من بني عامر بن الحارث ، يقال له عامر بن عبدالقيس ، وبعث معه تمراً وملاحف ، وضمَّ إليه دليلاً يقال له الأريقط العبدي ، فأتى مكة عام الهجرة ، فالتقى النبي (ص) وصحت عنده العلامات ، فأسلم وقال له (ص) : أدع خالك للإسلام ، فجاء عمرو حتى دخل منزله فسلَّم ، فخرجت إمرأته الى أبيها وهي مارية بنت الأشج فقالت له: إن زوجي قد صبأ ، فانتهرها وجاء الأشج فأخبره الخبر فأسلم ، وكتم إسلامه حيناً ، ثم خرج مع جماعة من قومه وافداً على رسول الله (ص) . (الإصابة: 2 : 34)
وقد ذكرنا وفودهم على النبي (ص) وفيهم الأشج فرحب به النبي (ص) وأجلسه الى يمينه وقال له: يا أشج فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله. فقال: وما هما ؟ فقال: الحلم والحياء..» (الاستيعاب: 1 : 44 )
وكان الأشج يسكن البحرين ، ثم انتقل الى البصرة. (الطبقات الكبرى: 7 : 87)
2- زيد بن صوحان
هو زيد بن صوحان ، بن الحارث ، بن الهجرس ، بن صبرة ، بن حدرجان ، بن عساس ، بن ليث ، بن حداد ، بن ظالم ، بن ذهل ، بن عجل ، بن عمرو ، بن وديعة (الطبقات الكبرى: 6 : 123)
قال عنه علماؤنا: أنه كان من الأبدال ، واستشهد يوم الجمل وبيده راية عبد القيس في الكوفة ، فوقف أمير المؤمنين (ع) على رأسه وبه رمق فقال له: رحمك الله يا زيد كنت خفيف المؤونة عظيم المعونة ، فرفع زيد إليه رأسه ثم قال: وأنت يا أمير المؤمنين فجزاك الله خيراً ، فوالله ما علمتك إلا بالله عليم ، وفي أمِّ الكتاب لعليٌّ حكيم ، وإن الله في صدرك لعظيم ، والله ما قاتلت معك على جهالة ، ولكني سمعت اُمَّ سلمة زوج النبي (ص) تقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله . فكرهت أن أخذلك فيخذلني الله. (معجم رجال الحديث: 8 : 257)
وقد جدد استشهاده حزن أمير المؤمنين (ع) على من قتل من ربيعة قبل وروده البصرة. (أعيان الشيعة: 7 : 101)
وروي عن النبي (ص) أنه قال: جندب ما جندب ، والأقطع الخير زيد ! فسألوه فقال: رجلان يكونان في هذه الأمة يضرب أحدهما بضربة تفرق بين الحق والباطل ، والآخر تقطع يده في سبيل الله ، ثم يتبع الله آخر جسده بأوله ! قال الأجلح: أما جندب فقتل الساحر عند الوليد بن عقبة ، وأما زيد فقطعت يده يوم جلولاء وقتل يوم الجمل ». (المصدر السابق:6 :123)
وعن النعمان أبي قدامة أنه كان في جيش عليهم سلمان الفارسي فكان يؤمهم زيد بن صوحان يأمره بذلك سلمان (المصدر السابق:6 :123)
وطلب عبدالله بن عباس من صعصعة أن يصف له أخويه زيداً وسيحان ، فقال صعصعة: أما زيد فكما قال أخو غنيِّ:
فتى لا يبالي أن يكون بوجهه**** إذا سدت خلاَّت الكرام شحوب
إذا ما ترا آه الرجال تحفظوا**** فلم ينطقوا العوراء وهو قريب
حليف الندى يدعو الندى فيجيبه**** إليه ، ويدعوه الندى فيجيب
كأن بيوت الحي ما لم يكن بها**** بسابس ما يلفى بهن غريب
ثم قال: كان والله يا ابن عباس عظيم المروة ، شريف الأخوَّة ، جليل الخطر ، بعيد الأثر ، كميش العروة ، أليف البدوة ، سليم جوانح الصدر ، قليل وساوس الدهر ، ذاكراً الله طرفي النهار وزلفي الليل ، الجوع والشبع عنده سيان ، لا ينافس في دنياً ، وأقل أصحابه من ينافس فيها ، يطيل السكوت ، ويحفظ الكلام ، إن نطق نطق بعقام ، يهرب منه الدعار الأشرار ، ويألفه الأحرار الأخيار . فقال ابن عباس: ما ظنك برجل من أهل الجنة ، رحم الله زيداً. (مروج الذهب: 1 : 368)
واحتج زيد مع جملة صلحاء الكوفة على تصرفات والي عثمان سعيد بن العاص ، فغضب عثمان ونفاهم الى الشام ، منهم مالك بن الحارث الأشتر ، وكميل بن زياد ، وعمرو بن زرارة وشريح بن أوفى ، وزيد وصعصعة إبنا صوحان . (تاريخ المدينة المنورة: 3 : 1141) وبقوا منفيين الى أن أخرج أهل الكوفة سعيد بن العاص ، وكتبوا إليهم فعادوا الى مصرهم .
وعندما وصل الإمام أمير المؤمنين (ع) الى ذي قار ، استبطأ وصول مقاتلة أهل الكوفة فأرسل ولده الإمام الحسن (ع) ، وعمار بن ياسر ، وقيس بن سعد ، وزيد بن صوحان ، يستحثون له أهل الكوفة ويدعونهم للنهوض،وكان أبو موسى الأشعري والي الكوفة آنذاك يثبط الناس عن الإمام (ع) .
3- صعصعة بن صوحان
وهو شقيق زيد بن صوحان ، ولد في دارين قرب القطيف وسكن الكوفة ، وكان من كبار سادات عبدالقيس ، وخيرة رجالاتها ، خطيباً شاعراً ، فصيحاً ، عاقلاً ، فطناً ، شجاعاً ، وقائداً كبيراً ، ومن أشدِّ الناس حباً وولاءً وطاعة لأمير المؤمنين (ع) . قال الإمام الصادق (ع) : « ما كان مع أمير المؤمنين (ع) من أصحابه من يعرف حقه ، إلا صعصعة وأصحابه » (معجم رجال الحديث: 9 : 378)
وشهد صعصعة مشاهد أمير المؤمنين (ع) كلها الجمل وصفين والنهروان ، مقاتلاً وحاملاً للراية .
وعندما بايع أمير المؤمنين (ع) قال له: «يا أمير المؤمنين لقد زيَّنت الخلافة وما زانتك ، ورفعتها وما رفعتك ، وهي إليك أحوج منك إليها ». (شرح أصول الكافي: 7 : 203)
وقال في علي (ع) : «جمع الحلم والسلم والعلم، والقرابة القريبة ، والهجرة القديمة ، والبلاء العظيم في الإسلام». (مناقب أمير المؤمنين: محمد بن سليمان: 2 : 67)
وبعثه أمير المؤمنين (ع) الى الخوارج حين نزلوا حروراء لينظر ما يريدون ، فقالوا له: أرأيت لو كان عليٌّ معنا في موضعنا أتكون معه ؟ قال: نعم ، قالوا: فأنت إذن مقلد علياً دينك ، إرجع فلا دين لك ! فقال لهم صعصعة: ويلكم ألا أقلد من قلد الله فأحسن التقليد ، فاضطلع بأمر الله صديقاً ، أو لم يكن رسول الله (ص) إذا اشتدَّت الحرب قدَّمه في لهواتها فيطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بحدِّه ، مكدوداً في ذات الله ، عنه يعبر رسول الله (ص) والمسلمون ، فأنى تصرفون ، وأين تذهبون ، والى من ترغبون ، وعمن تصدفون؟! عن القمر الباهر ، والسراج الزاهر ، والصراط المستقيم ، وحسان الأعد المقيم ، قاتلكم الله أنى تؤفكون ؟ أفي الصديق الأكبر والغرض الأقصى ترمون ؟ طاشت عقولكم ، وغارت حلومكم ، وشاهت وجوهكم ، لقد علوتم القلة من الجبل ، وباعدتم العلة من النهل ، أتستهدفون أمير المؤمنين صلوات الله عليه ووصي رسول الله (ص) ؟! لقد سوَّلت لكم أنفسكم خسراناً مبيناً ، فبعداً وسحقاً للكفرة الظالمين ، عدل بكم عن القصد الشيطان ، وعمَّى لكم واضح المحجة الحرمان! (الاختصاص: 121)
وعندما نفاه عثمان الى الشام مع الأشتر وجماعة ، جرت بينهم وبين معاوية محاورات ، وفيها لصعصعة كلام بليغ.
ولما أُلحد أمير المؤمنين (ع) ، وقف صعصعة على القبر الشريف يؤبنه ، واضعاً إحدى يديه على فؤاده ، وأخذ بالأخرى تراباً من تراب القبر وصار يضرب به رأسه، ثم قال: « بأبي أنت واُمِّي يا أمير المؤمنين ، ثم قال: هنيئاً لك يا أبا الحسن ، فلقد طاب مولدك ، وقوي صبرك ، وعظم جهادك ، وظفرت برأيك ، وربحت تجارتك ، وقدمت على خالقك ، فتلقاك الله ببشارته ، وحفك بملائكته ، واستقررت في جوار المصطفى ، فأكرمك الله بجواره ، ولحقت بدرجة أخيك المصطفى ، وشربت بكأسه الأوفى ، فأسأل الله أن يمنَّ علينا باقتفائنا أثرك ، والعمل بسيرتك ، والموالاة لأوليائك ، والمعاداة لأعدائك ، وأن يحشرنا في زمرة أوليائك ، فقد نلت مالم ينله أحد ، وأدركت ما لم يدركه أحد ، وجاهدت في سبيل ربك بين يدي أخيك المصطفى حق جهاده ، وقمت بدين الله حق القيام ، حتى أقمت السنن ، وأبَرْتَ الفتن ، واستقام الإسلام ، وانتظم الإيمان . فعليك مني أفضل الصلاة والسلام بك اشتدَّ ظهر المؤمنين ، واتضحت أعلام السبل ، وأقيمت السنن ، وما جمع لأحد من مناقبك وخصالك ، سبقت الى إجابة النبي (ص) مقدماً مؤثراً ، وسارعت الى نصرته ، ووقيته بنفسك ، ورميت سيفك ذا الفقار في مواطن الخوف والحذر ، قصم الله بك كل جبار عنيد ، وذل بك كل ذي بأس شديد ، وهدم بك حصون أهل الشرك والعدوان والردى ، وقتل بك أهل الضلال من العدى . فهنيئاً لك يا أبا الحسن .
لقد شرَّف الله مقامك وكنت أقرب الناس الى رسول الله (ص) نسباً، وأولهم إسلاماً ، وأوفاهم يقيناً ، وأشدهم قلباً ، وأبذلهم لنفسه مجاهداً ، وأعظمهم في الخير نصيباً ، فلا حرمنا الله من أجرك ، ولا أذلنا بعدك ، فوالله لقد كانت حياتك مفاتح للخير ومغالق للشر ، وإن يومك هذا مفتاح كل شرٍّ ومغلاق كل خير، ولو أن الناس قبلوا منك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة (قصة الكوفة: علي منفرد: 492) ثم أنشد:
ألا من لي باُنسك يا اُخيَّا****من لي أن أبثك ما لديا
طوتك خطوب دهر قد تولت****كذاك خطوبه نشراً وطيا
فلو نشرك قواك الى المنايا****شكوت إليك ما صنعت إليا
بكيتك يا علي لدر عيني****فلم يُغن البكاء عليك شيا
كفى حزناً بدفنك ثم إني****نفضت تراب قبرك من يديا
وكانت في حياتك لي عظات****وأنت اليوم أوعظ منك حيا
فيا أسفا عليك وطول شوقي****إليك لو أن ذلك ردَّ شيا
(مناقب آل أبي طالب: 3 : 97)
وجمع صعصعة قومه في الكوفة عندما بلغه أن بعضهم يؤوي الخوارج ، وذلك بعد مقتل أمير المؤمنين (ع) ثم خطبهم فقال: «يا معشر عباد الله ! إن الله لما قسَّم الفضل بين المسلمين خصَّكم بأحسن القسم ، فأجبتم الى دين الله الذي ارتضاه لنفسه وارتضاه لملائكته ورسله ، فأقمتم عليه حتى قبض الله رسوله (ص) ، ثم اختلف الناس من بعد: فثبتت طائفة ، وارتدَّت طائفة ، وأدهنت طائفة ، وتربَّصت طائفة ، فلزمتم دين الله إيمانا به وبرسوله ، وقاتلتم المرتدين حتى قام الدين ، وأهلك الله الظالمين ، فلم يزل الله يزيدكم بذلك خيرا في كل شئ وعلى كل حال حتى اختلفت الاُمة بينها فقالت طائفة: نريد طلحة والزبير وعائشة وقالت طائفة نريد أهل المغرب(1) وقالت طائفة: نريد عبدالله بن وهب الراسبي (2) وأنتم قلتم: لا نريد إلا الذين ابتدأنا الله بالكرامة من قبلهم (3) ، تسديداً من الله لكم وتوفيقاً ، فلم تزالوا على الحق لازمين له آخذين به ، حتى أهلك الله بكم الناكثين يوم الجمل(4) ، ولا قوم أعدى لكم ولأهل بيت نبيكم ولجماعة المسلمين من هذه المارقة الخاطئة ، الذين فارقوا إمامنا ، واستحلوا دماءنا وشهدوا علينا بالكفر ! فإياكم أن تؤوهم في دوركم أو تكتموا عليهم ، فإنه ليس ينبغي لحيٍّ من أحياء العرب أن يكون أعدى منكم لهذه المارقة ، وقد ذكر لي: أن بعضهم في جانب من حيِّكم وأنا باحث وسائل عن ذلك ، فإن كان ما حكيَ لي حقاً تقرَّبت الى الله بدمائهم ، فإن دماءهم حلال »! (موسوعة التاريخ الإسلامي: 5 : 517)
____________________
1 ـ يقصد معاوية، ولم يتمكن من التصريح باسمه تقية
2 ـ زعيم الخوارج في عهد معاوية
3 ـ وهم أهل البيت ( ع ) ، لم يصرح بهم للتقية أيضا
4 ـ ولم يتطرَّق لوقعة صفين تقية أيضا
ووصف صعصعة أمير المؤمنين (ع) لمعاوية يوماً فقال:« كان فينا كأحدنا ، لين جانب ، وشدة تواضع ، وسهولة قياد ، وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه » ! (شرح نهج البلاغة: 1 : 25)
وأقام المغيرة بن شعبة عامل معاوية على الكوفة الخطباء ليلعنوا علياً (ع) فقام صعصعة بن صوحان فتكلم فقال المغيرة: أخرجوه وأقيموه على المصطبة فليلعن علياً ، فقال: لعن الله من لعن الله ولعن علي بن أبي طالب ، فأخبروا المغيرة بذلك ، فقال: أقسم بالله لتقيدنَّه ؟ فخرج صعصعة فقال: إن هذا يأبى إلا علي بن أبي طالب فالعنوه لعنه الله! فقال المغيرة:أخرجوه أخرج الله نفسه!
مواقف الشيعة:الميانجي: 2 : 441)
وكتب معاوية الى زياد بن أبيه عامله على الكوفة: أن ابعث لي خطباء أهل العراق ، وابعث لي صعصعة بن صوحان ، ففعل ، فلما قدِموا على معاوية خطبهم فقال: مرحباً بكم يا أهل العراق قدِمتم على إمامكم ، وهوجُنَّة لكم يعطيكم مسألتكم ، ولا يعظم في عينه كبيراً ، ولا يحقر لكم صغيراً ، وقدمتم على أرض المحشر والمنشر ، والأرض المقدسة وأرض هجرة الأنبياء ، ثم قال في خطبته: ولو أن أبا سفيان ولد الناس كلهم لكانوا أكياساً (عقلاء حلماء ! ) . فلما فرغ من خطبته قال: قم فاخطب يا صعصعة ، فقام صعصعة: فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (ص) ثم قال: إن معاوية ذكر إنا قدِمنا على إمامنا وهو جُنَّة لنا ، فما يكون حالنا إذا انخرقت الجُنَّة ؟ وذكر أنا قدِمنا الى أرض المحشر والمنشر والأرض المقدسة وأرض هجرة الأنبياء! فالمحشر والمنشر لايضر بعدهما مؤمناً ولا ينفع قربهما كافراً ، والأرض لا تقدِّس أحداً وإنما يقدِّس العباد أعمالهم ، ولقد وطأها من الفراعنة أكثر مما وطأها من الأنبياء ! وذكر أن أبا سفيان لو ولد الناس كلهم لكانوا أكياساً فقد ولدهم من هو خير من أبي سفيان ، آدم صلوات الله عليه ، فولد الكيِّس والأحمق والعالم والجاهل! فغضب معاوية وقال: أسكت لا أمَّ لك ، ولا أب ، ولا أرض ! فقال صعصعة: الأب والأم ولداني ، ومن الأرض خرجت ، وإليها أعود !
وأخيراً ، كتب معاوية الى عامله زياد أن أقمه للناس وأمره أن يلعن علياً فإن لم يفعل فاقتله ! فأخبره زياد بما أمره به فيه وأقامه للناس ، فصعد صعصعة المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبي (ص) ثم قال: أيها الناس إن معاوية أمرني أن ألعن علياً فالعنوه لعنه الله . فقال زياد: لا أراك إلا لعنت أمير المؤمنين معاوية . فقال صعصعة: إني تركتها مبهمة وإلا بينتها . فقال زياد: لتلعننَّ علياً وإلا نفذت فيك أمر أمير المؤمنين ، فصعد صعصعة المنبر ، فقال: أيها الناس إنهم أبوا عليَّ إلا أن أسبَّ علياً، وقد قال رسول الله (ص) : من سبَّ عليا فقد سبَّني ومن سبَّني فقد سبَّ الله! وما كنت بالذي يسبُّ الله ورسوله ، فكتب زياد بذلك الى معاوية ، فأمر بقطع عطائه وهدم داره ، ففعل زياد به ذلك ، لكن إخوانه من الموالين لآل البيت (عليهم السلام) مشى بعضهم الى بعض ، فجمعوا له سبعين ألفاً. (شرح الأخبار: القاضي نعمان:1 :171) فأبعده الى جزيرة أوال أي البحرين ، فمات فيها سنة ستين للهجرة (رحمه الله) ، وقبره مزار .
4- جويرية بن مسهِّر العبدي
من عيون شيعة أمير المؤمنين (ع) وثقاته ، وكان مؤذنه (مناقب آل أبي طالب: 3 : 90) وكان أمير المؤمنين (ع) يحبه حباً جماً.
قال ابن أبي الحديد في شرح المهج:2/290: كان جويرية بن مسهر العبدي صالحاً صديقاً لعلي بن أبي طالب (ع) ، وكان عليٌّ يحبه . نظر يوماً إليه وهو يسير فناداه ياجويرية إلحق بي فإني إذا رأيتك هويتك ! وروى أيضاً عن حبَّة العرني قال: سرنا مع عليٍّ (ع) يوماً فالتفت فإذا جويرية خلفه بعيداً ، فناداه: يا جويرية إلحق بي لا أباً لك ، ألا تعلم أني أهواك وأحبك ؟ قال: فركض نحوه ، فقال له: إني محدثك بأمور فاحفظها ثم اشتركا في الحديث سراً فقال جويرية: يا أمير المؤمنين إني رجل نَسَّاء ، فقال: إني أعيد عليك الحديث لتحفظه ، ثم قال له في آخر ما حدثه إياه: يا جويرية ، أحبب حبيبنا ما أحبنا فإذا أبغضنا فابغضه ، وابغض بغيضنا ما أبغضنا فإذا أحبنا فأحبه . وكان ناس في الكوفة يقولون: أتراه جعل جويرية وصيه كما يدعي هو من وصية رسول الله (ص) له ؟ وما ذلك إلا لشدة اختصاصه له
وقال ص291: دخل جويرية يوماً على الإمام (ع) وهو مضطجع وعنده قوم من أصحابه فناداه: أيها النائم استيقظ ، فلتضربن على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك . فتبسم أمير المؤمنين (ع) ثم قال: يا جويرية ، أتريد أن أحدثك بأمرك ؟ أما والذي نفسي بيده لتُعْتَلَنَّ للعُتُلِّ الزنيم فليقطعنَّ يدك ورجلك ، وليصلبنَّك تحت جذع كافر . قال الراوي: فوالله ما مضت الأيام حتى أخذ زياد جويرية ، فقطع يده ورجله وصلبه الى جانب جذع ابن مكعبر وكان جذعاً طويلاً ، فصلبه على جذع قصير الى جانبه!
روى حديث رد الشمس لأمير المؤمنين (ع) ، قال: أقبلنا مع أمير المؤمنين من قتل الخوارج ، حتى إذا قطعنا في أرض بابل ، وحضرت صلاة العصر ، فنزل أمير المؤمنين (ع) ونزل الناس فقال: أيها الناس إن هذه أرض ملعونة ، قد عذبت في الدهر ثلاث مرات ، وفي خبر آخر مرتين وهي تتوقع الثالثة ، وهي إحدى المؤتفكات ، وهي أول أرض عبد فيها وثن ، وأنه لا يحل لنبي ولا لوصي نبي أن يصلي فيها ، فمن أراد أن يصلي فليصل (وسائل الشيعة: 5 : 180)
، قال: فتفرق الناس يصلون يمنة ويسرة ، وقلت أنا لأقلدنَّ هذا الرجل ديني، ولا أصلي حتى يصلي . قال: فسرنا وجعلت الشمس تستقل وجعل يدخلني في ذلك أمر عظيم ، حتى وجبت الشمس وقطعت الأرض ، فقال (ع) : يا جويرية أذَّن ، فقلت: تقول لي أذن وقد غابت الشمس؟ قال: فأذنت ثم قال: أقم فأقمت ، فلما قلت: قد قامت الصلاة رأيت شفتيه تتحركان ، وسمعت كلاماً كأنه كلام العبرانية ، قال: فرجعت الشمس حتى صارت مثل وقتها في العصر ، فصلى ! فلما انصرف هوت الى مكانها واشتبكت النجوم »! (خصائص الأئمة:الشريف الرضي : 56)
5- حُكيم بن جبلة العبدي
وهو حكيم بن جبلة بن الحصين بن أسود بن كعب بن عامر بن الحارث بن الديل بن عمرو بن غنم بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس ، أدرك النبي (ص) ولم يره (أسد الغابة: 2 : 40) ، وكان حكيم رجلاً صالحاً شجاعاً مطاعاً في قومه ، كما أنه من خيار صحابة أمير المؤمنين (ع) مشهور بولائه والنصح له ، وفيه يقول (ع) :
دعا حكيم دعوة سميعهْ نال بها المنزلة الرفيعهْ (أنساب الأشراف:1 : 234)
ويكفيه فخراً أن أمير المؤمنين (ع) وصفه بالعبد الصالح. (موسوعة التاريخ الإسلامي: 4 : 554)
وهو بطل معركة الجمل الأصغر ، فقد دفعته غيرته على الإسلام للثأر من جيش طلحة والزبير لما قتلوا حراس بيت المال ونهبوه ، فدعا قومه لرد الظالمين ، فقتل هو وثلاث مئة من المؤمنين ، قبل وصول أمير المؤمنين (ع) الى البصرة .
وكان في الفتوحات قائداً ، فقد فتح مكران وهي بلوشستان إيران أيام عثمان بن عفان (معجم البلدان: 5 : 179) ، وجعله عثمان حاكماً على السند فرجع عنها كارهاً لولايتها (الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 391)
6- سيحان بن صوحان
أخو زيد وصعصعة ، وهو مثلهما في التقوى والزهد ، والشجاعة والإخلاص ، والولاء لأمير المؤمنين (ع) ، قال الإمام الصادق (ع) : « ما كان مع أمير المؤمنين من أصحابه من يعرف حقه إلا صعصعة وأصحابه » (معجم رجال الحديث: 9 : 378)
وقد استشهد سيحان مع أخيه زيد في معركة الجمل ، وذكر المؤرخون أن الذين خطبوا في الكوفة يحثون الناس على نصرة أمير المؤمنين (ع) في حرب الجمل هم: الإمام الحسن (ع) وعمار بن ياسر ، والأشتر وزيد بن صوحان ، وأخوه سيحان .
وحضر المعركة مع أخويه ، ولما دعا أمير المؤمنين (ع) أصحابه ليحملوا على الجمل ويعقروه ويخلصوا الناس من شره ، كان بنو صوحان في مقدمة من استجاب ، فحمل زيد وقاتل حتى استشهد ، فأخذ الراية أخوه سيحان ، وتقدم نحو الجمل فاستشهد (رحمه الله) .
7- الشاعر سفيان بن مصعب العبدي
أبو محمد شاعر مشهور من شعراء أهل البيت (عليهم السلام) ، المقبولين عندهم ، وقد ضمَّن شعره مناقب أمير المؤمنين (ع) والأئمة الطاهرين ، وتفجع على مصائبهم ورثاهم (الغدير: 2 : 294)
وكان الإمام الصادق (ع) يستنشده ، فقال ذات يوم: قولوا لأم فروه إحدى بناته تجئ فتسمع ما صنع بجدها، فجاءت فقعدت خلف الستر ، فأنشد العبدي: فَرْوُ جودي بدمعك المسكوب! فصاحت وصحن النساء! (الكافي: 8 : 215) .
وأمره الإمام (ع) بقول الشعر في الحسين (ع) : قل شعراً تنوح به النساء . وقال (ع) لشيعته: يا معشر الشيعة: علموا أولادكم شعر العبدي فإنه على دين الله »(شرح أصول الكافي: 12 : 287). ومن شعره:
إنا روينا في الحديث خبرا****يعرفه ساير من كان روى
إن ابن خطاب أتاه رجل**** فقال: كم عدة تطليق الإما
فقال: يا حيدر كم تطليقة**** للأمَة اذكره ، فأومى المرتضى
بإصبعيه فثنى الوجه الى****سائله قال: اثنتان واثنتا
قال له: تعرف هذا ؟ قال: لا****قال له: هذا علي ذو العلا
وقد روى عكرمة في خبر**** ما شك فيه أحد ولا امترى
مر ابن عباس على قوم وقد****سبُّوا علياً فاستراع وبكى
وقال مغتاظاً لهم أيُّكم****سبَّ إله الخلق جلَّ وعلا
قالوا معاذا الله ، قال أيكم****سبَّ رسول الله ظلماً واجترى
قالوا معاذ الله ، قال أيكم ****سبَّ علياً خير من وطى الحصى
قالوا نعم قد كان ذا ، فقال قد****سمعت والله النبي المجتبى
يقول من سبَّ علياً سبني****وسبني سبَّ الإله واكتفى
محمد وصنوه وابنته وابنيه****خير من تحفى واحتذى
صلى عليهم ربنا باري الورى****ومنشئ الخلق على وجه الثرى
صفاهم الله تعالى وارتضى****واختارهم من الأنام واجتبى
لولاهم الله ما رفع السما ولا****دحى الأرض ولا أنشى الورى
لا يقبل الله لعبد عملاً****حتى يواليهم بإخلاص الولا
ولا تتم لامرئ صلاته****إلا بذكرهم ، ولا يزكو الدعا
لو لم يكونوا خير من وطا الحصا****ما قال جبريل من تحت العبا
هل أنا منكم شرفاً ثم علا****يفاخر الأملاك إذ قالوا بلى
لو أن عبداً لقي الله بأعما****ل جميع الخلق براً واتقى
ولم يكن والى علياً حبطت****أعماله وكبَّ في نار لظى
وإن جبريل الأمين قال لي****عن ملكيه الكاتبين مذ دنا
إنهما ما كتبوا قط على****الطهــر عــليٍّ زلـــة ً ولا خنا
(الغدير: 2 : 298)
وله (رحمه الله) :
آل النبي محمد أهل****الفضايل والمناقب
المرشدون من العمى****والمنقذون من اللوازب
الصادقون الناطقون****السابقون الى الرغائب
فولاهم فرض من الرح****مان في القرآن واجب
وهم الصراط ، فمستقيم****فوقه ناج وناكب
صديقة خلقت لصديق****شريف في المناسب
اختاره واختارها طهرين****من دنس المعايب
إسماهما قرنا على سطر****بظل العرش راتب
كان الإله وليها****وأمينه جبريل خاطب
والمهر خمس الأرض****موهبة تعالت في المواهب
وتهابها من حمل طوبى****طيبت تلك المناهب
(المصدر السابق:2 :305)
وله (رحمه الله) :
يا سادتى يا بني علي****يا آل طه وآل صاد
من ذا يوازيكم وأنتم****خلايف الله في البلاد
أنتم نجوم الهدى اللواتي****يهدي بها الله كل هاد
لولا هداكم إذا ضللنا****والتبس الغيُّ بالرشاد
لا زلت في حبكم اُوالي****عمري وفي بغضكم اُعادي
وذاك ذخري الذي عليه****في عرصة لحشر اعتمادي
(المصدر السابق:2 :317 )
8- الجارود بن المنذر العبدي
هو الجارود بن بشر بن المعلى بن العلاء ، وقيل بن عمرو بن العلاء ، وهو من بني جذيمة بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة (الاستيعاب: 1 : 78) ، قيل كان نصرانياً وكان حسن المعرفة بتفسير الكتب وتأويلها ، عالماً بِسِير الفرس وأقاويلها ، بصيراً بالفلسفة والطب، ظاهر الدهاء والأدب، كامل الجمال ذا ثروة ومال(السيرة النبوية: ابن كثير: 1 : 144)
ورووا في قصة إسلامه ووفوده على النبي (ص) أنه قال: والذي بعثك بالحق لقد وجدت صفتك في الإنجيل ، ولقد بشَّر بك ابن البتول عيسى بن مريم ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله ، ثم آمن الجارود وآمن معه من قومه كل سيد ، فسرَّ النبي بذلك (عيون الأثر: 1 : 97)
، وأنشد بين يدي رسول الله (ص) :
شهدت بأن الله حق وسامحت****بنات فؤادي بالشهادة والنهض
فابلغ رسول الله عني رسالة****بأني حنيف حيث كنت من الأرض
وقال ابن عياش الجوهري في مقتضب الأثر/31: « ومن أتقن الأخبار المأثورة وغريبها وعجيبها ، ومن المصون المكنون في أعداد الأئمة (عليهم السلام) وأسمائهم من طريق العامة مرفوعاً ، وهو خبر الجارود بن المنذر وإخباره عن قس بن ساعدة: ما حدثنا به أبو جعفر محمد بن لاحق...حدثني الجارود بن المنذر العبدي وكان نصرانياً فأسلم عام الحديبية وحسن إسلامه ، وكان قارياً للكتب ، عالماً بتأويلها على وجه الدهر وسالف العصر ، بصيراً بالفلسفة والطب ، ذا رأي أصيل ووجه جميل ، أنشأ يحدثنا في أمارة عمر بن الخطاب ، قال: وفدت على رسول الله (ص) في رجال من عبد القيس ، ذوي أحلام وأسنان وفصاحة وبيان وحجة وبرهان ، فلما بصروا به (ص) راعهم منظره ومحضره ، وأفحموا عن بيانهم ، واعتراهم العرواء في أبدانهم ! فقال زعيم القوم لي: دونك من أقمت بنا أممه ، فما نستطيع أن نكلمه ! فاستقدمت دونهم إليه فوقفت بين يديه (ص) وقلت: السلام عليك يا نبي الله ، بأبى أنت وأمي ، ثم أنشأت أقول:
يا نبي الهدى أتتك رجالٌ****قطعت قرددا وآلاً فآلا
جابت البيد والمهامهَ حتى****غالها من طوى السرى ما غالا
قطعت دونك الصحاصح تهوي****لا تعد الكلال فيك كلالا
كل دهناء تقصر الطرف عنها****أرقلتها قلاصنا إرقالا
خصك الله يا ابن آمنة الخير****إذا ما تلت سجال سجالا
أنبأ الأولون باسمك فينا****وبأسماء بعده تتلالا
قال: فأقبل على رسول الله (ص) بصفحة وجهه المبارك وشِمْتُ منه ضياء لامعاً ساطعاً كوميض البرق فقال: يا جارود لقد تأخر بك وبقومك الموعد ، وقد كنت وعدته قبل عامي ذلك أن أفد إليه بقومي فلم آته وأتيته في عام الحديبية، فقلت: يا رسول الله بنفسي أنت ، ما كان إبطائي عنك إلا أن جلة قومي أبطأوا عن إجابتي ، حتى ساقها الله إليك لما أراد لها من الخير لديك.. وقد كنت على دين النصرانية قبل أتيتي إليك الأولى فها أنا تاركه بين يديك إذ ذلك مما يعظم الأجر ، ويمحو المآثم والحوب ، ويرضى الرب عن المربوب.
فقال رسول الله (ص) : أنا ضامن لك يا جارود ! قلت: أعلم يا رسول الله أنك بذلك ضمين قمين . قال: فَدِنْ الآن بالوحدانية ودع عنك النصرانية ، قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنك عبده ورسوله ، ولقد أسلمت على علم بك وبناء فيك ، علمته من قبل ! فتبسم (ص) كأنه علم ما أردته من الإنباء فيه فأقبل عليَّ وعلى قومي فقال: أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الأيادي؟ قلت: يا رسول الله كلنا نعرفه غير أني من بينهم عارف بخبره ، واقف على أثره: كان قس بن ساعدة يا رسول الله سبطاً من أسباط العرب ، عمَّر خمس مائة عام ، تقفَّر منها في البراري خمسة أعمار ، يضج بالتسبيح على منهاج المسيح ، لا يقره قرار ولا يكنه جدار ، ولا يستمتع منه جار ، لا يفتر من الرهبانية ، ويدين الله بالوحدانية ، يلبس المسموح ، ويتحسى في سياحته بيض النعام ، بالنور والظلام ، يبصر فيعتبر ، ويتفكر فيختبر ، تضرب بحكمته الأمثال ، أدرك رأس الحواريين شمعون ، وأدرك لوقا ويوحنا وأمثالهم ، ففقه كلامهم ونقل منهم ، تحوَّبَ الدهر وجانَبَ الكفر ، وهو القائل بسوق عكاظ وذي المجاز:
شرقٌ وغرب ، ويابسٌ ورطب ، وأجاجٌ وعذب ، وحبٌّ ونبات ، وجمعٌ وأشتات ، وذهابٌ وممات ، وآباءٌ وأمهات ، وسرورُ مولود ، ورزء مفقود . تباً لأرباب الغفلة ، ليصلحن العامل عمله قبل أن يفقد أجله ! كلا بل هو الله الواحد ليس بمولود ولا والد ، أمات وأحيا ، وخلق الذكر والأنثى ، وهو رب الآخرة والأولى.. ثم صاح: يا معاشر أياد: أين ثمود ، وأين عاد ، وأين الآباء والأجداد ، وأين العليل والعواد ، وأين الطالبون والرواد ، وكل له معاد . قلت: يا رسول الله لقد شهدت قساً خرج من ناد من أندية أياد ، إلى صحصح ذي قتاد وصمرة وعتاد ! وهو مشتمل بنجاد ، فوقف في أضحيان ليل كالشمس، رافعاً إلى السماء وجهه وإصبعه ، فدنوت منه وسمعته يقول:
اللهم رب هذه السبعة الأرقعة والأرضين الممرعة ، وبمحمد والثلاثة المحامدة معه ، والعليين الأربعة ، وسبطيه النبعة ، والأرفعة الفرعة ، والسري اللمعة ، وسمي الكليم الضرعة ، والحسن ذي الرفعة ، أولئك النقباء الشفعة ، والطريق المهيعة ، درسة الإنجيل ، وحفظة التنزيل ، على عدد النقباء من بني إسرائيل ، محاة الأضاليل ونفاة الأباطيل ، الصادقوا القيل ، عليهم تقوم الساعة ، وبهم تنال الشفاعة ولهم من الله تعالى فرض الطاعة .
اللهم ليتني مدر كهم ولو بعد لأي من عمري ومحياي. ثم آب يكفكف دمعه ويرن رنين البكرة وقد بريت ببراة وهو يقول:
أقسمَ قِسٌّ قسما****ليس به مكتتما
لو عاش ألفي عمر****لم يلق منها سأما
حتى يلاقى أحمداً****والنقباء الحكما
هم أوصياء أحمدٍ****أكرم من تحت السما
يعمى العباد عنهم ****وهم جلاء للعمى
لست بناس ذكرهم**** حتى أحُلَّ الرجما
ثم قلت: يا رسول الله أنبئني أنبأك الله بخبر عن هذه الأسماء التي لم نشهدها وأشهدنا قس ذكرها ؟
فقال رسول الله (ص) : يا جارود ليلة أسرى بي إلى السماء أوحى الله عز وجل إلى أن سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا ؟فقلت: على ما بعثتم؟ فقالوا: على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما .
ثم أوحي إلي أن التفت عن يمين العرش ، فالتفت فإذا على والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والمهدي في ضحضاح من نور يصلون ، فقال لي الرب تعالى: هؤلاء الحجج لأوليائي، وهذا المنتقم من أعدائي ! قال الجارود: فانصرفت بقومي وقلت في وجهتي إلى قومي:
أتيتك يا ابن آمنة الرسولا **** لكي بك أهتدى النهج السبيلا
فقلت وكان قولك قول حق****وصدقٌ ما بدا لك أن تقولا
وبصرت العمى من عبد قيس ****وكل كان من عمه ضليلا
وأنبأناك عن قس الأيادي****مقالاً فيك ظلت به جديلا
وأسماء عمت عنا فآلت **** إلى علم وكنت به جهولا ».
ورواه أبو الفتح في الإستنصار/34 ، وكنز الفوائد/256 ، والمناقب: 1/245 .
وبعد وفاة النبي (ص) ثبت الجارود وقومه على الإسلام ، فقد روى ابن منظور في مختصر تاريخ دمشق: «لما توفي رسول الله ارتدت العرب وارتد أهل هجر عن الإسلام، فقال أبان بن سعيد بن العاص والي النبي على هجر لعبد القيس: أبلغوني مأمني! قالوا: بل أقم فلنجاهد معك في سبيل الله ، فالله معز دينه ومظهره على ما سواه وعبد القيس لم ترجع عن الإسلام ، قال: بل أبلغوني مأمني فأشهد أمر أصحاب رسول الله (ص) فليس مثلي يغيب عنهم ، فأحيا بحياتهم وأموت بموتهم... ومشى إليه الجارود العبدي فقال: أنشدك الله أن لا تخرج من بين أظهرنا فإن دارنا منيعة ونحن سامعون مطيعون ، ولو كنت في المدينة اليوم لوجهك أبو بكر إلينا ، فلا تفعل فإنك إن قدمت على أبي بكر لامك ، وقال: تخرج من قوم أهل سمع وطاعة ثم رجعك إلينا . فقال: لا أعمل لأحد بعد رسول الله وإن معي مالاً قد اجتمع ، قالوا: إحمله فحمل مئة ألف درهم وخرج معه ثلاث مئة خفراً حتى قدم المدينة» (مختصر تاريخ دمشق:ابن منظور: 1 : 432)
وروى ابن سعد أن الجارود العبدي شهد على قدامة بن مظعون والي البحرين من قبل عمر بن الخطاب بشرب الخمر ، وشهد عليه علقمة بن عبدالله التميمي وقيل أبو هريرة بقئ الخمر ، وأن عمر دافع عنه وتهرَّب من إقامة الحدِّ عليه، لأنه أخ زوجته ، فاعترض عليه الجارود !
قال ابن سعد في الطبقات:6/560: « إن عمر بن الخطاب ولى قدامة بن مظعون البحرين ، فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين إن قدامة قد شرب ، وإني رأيت حدَّاً من حدود الله كان حقاً عليَّ أن أرفعه إليك ، فقال عمر: من يشهد على ما تقول ؟ فقال: أبو هريرة يشهد ، فكتب عمر الى قدامة بالقدوم عليه فقدم ، فأقبل الجارود يكلم عمر ويقول: أقم على هذا كتاب الله ! فقال عمر: أشاهد أنت أم خصم؟ فقال الجارود: بل أنا شاهد! فقال عمر: قد كنت أديت شهادتك ، فسكت الجارود . ثم غدا عليه من الغد فقال: أقم الحد على هذا ، فقال عمر: ما أراك إلا خصماً ، وما يشهد عليه إلا رجل واحد ، والله لتملكنَّ لسانك أو لأسوءنَّك ! فقال الجارود: أما والله ما ذاك بالحق ، يشرب إبن عمك الخمر وتسوءني ، فوزعه عمر ! أي طرده! وكان لقيه عبدالله بن عمر لما جاء ليشهد على قدامة بن مظعون فأخذ يهدده: والله ليجلدنك أمير المؤمنين! فقال الجارود: يجلد والله خالك أو يأثم أبوك بربه ، إياي تكسر بهذا يا عبدالله بن عمر ، ثم جاء فدخل على عمر فقال: أقم الكتاب على هذا ، فانتهره عمر وقال: والله لولا الله لفعلت بك وفعلت! فقال الجارود: والله لولا الله لما هممت بذلك! فقال عمر: صدقت إنك لمنتحي الدار كثير العشيرة. وهنا اضطر عمر لإقامة الحد على صاحبه قدامة بن مظعون ، وعزله عن ولاية البحرين ، وبعث أبو بكرة وقيل أبا هريرة والياً بدلاً عنه! (الكامل في التاريخ: 1 : 453 ، وأنظر : المنتظم : 2 : 34)
وسكن الجارود البصرة ، ومات سنة إحدى وعشرون للهجرة في عقبة الطين من بلاد فارس ودفن هناك. (الاستيعاب: 1 : 78)